أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 4 أبريل 2015

أحد الشعانين - الدخول إلى أوراشليم

أحد الشعانين وجِّه نظرك إليه في هذا اليوم المقدس المبارك يتّخذ عيدنا طابعه المسيطر، طابع الأطفال. وفي (الدورة) كان الصليب المقدس يتقدم أطفالنا ويُقَدَّم لهم للتقبيل والتبرك. وكان الآباء والأمهات يحملون أولادهم ويقتربون بهم أكثر فأكثر من الصليب المكرم كي يُقَبِّلوهْ ويتبركوا بنعمته. 

في هذا الوقت بالذات كنت أفكر كيف أننا نحن أيضاً نواكب الرب في مسيرته من بيت عنيا إلى أورشليم. ماذا كان في بيت عنيا ؟ في بيت عنيا صديق للرب كان قد مات، فأتى الرب وأقامه من بين الأموات، فكان أن اليهود الذين لم يؤمنوا بيسوع رباً وسيّداً ومسيحاً، هؤلاء عندما شاهدوا المعجزة انفتحت قلوب بعضهم وبدأ الإيمان يدب في قلوبهم، فهلعت قلوب رؤسائهم لأن يسوع أمسى خطراً على المجمع بالذات وعلى الهيكل وعلى الجماعة، الجماعة اليهودية برمّتها. 

خافوا أن يفرغ الهيكل من العابدين وأن ينسحب من المجمع من كان مشتركاً فيه. فجاء الرؤساء وبدأوا يكيدون لابن البشر، راحوا يضربون أخماساً بأسداس. ماذا يجب أن نفعل كي نزيل هذا الذي يضرّ بهيكلنا ؟ كيف يمكننا أن نبعده ؟ وشرعت الدسائس والمؤامرات وبدأت الترتيبات ليؤخذ ربنا يسوع المسيح مخفوراً ويعلَّق على الصليب فدية عن العالم. ماذا خلَّف الرب يسوع المسيح في بيت عنيا ؟ لقد خلّف يسوع موتاً مؤقتاً وقيامة مؤقتة. في بيت عنيا لعازر مات لثلاثة أيام أو أربعة، ثم قام، وها المسيح الآن في اتجاه أورشليم، في اتجاه القدس. ماذا ينتظره بعد أيام في القدس ؟ 

ينتظره أيضاً موت وتنتظره قيامة. ولكن هذا الموت من نوع آخر والقيامة من نوع آخر أيضاً. إذاً التحرك من بيت عنيا إلى أورشليم، تحرك من موت إلى موت ومن قيامة إلى قيامة. لكن الموت والقيامة الأولين كانا مؤقتين. أمّا الموت والقيامة الآخران فنتكلّم عنهما في حينه. لماذا يا تُرى نذكر الأطفال بصورة خاصة في استقبال يسوع ؟ لماذا ذكر الإنجيل الجموع بدون تخصيص بينما نحن نخصّ الأطفال بهذا العيد ؟ لا شك في أننا نذكر الأنبياء ونبوءاتهم: (من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً). النص الإنجيلي ذكر الجموع الغفيرة من البالغين التي واكبت المخلص. والنبوة لم تركز على مشاركة البالغين في الموكب بمقدار مشاركة الصغار. نعم المشهد نفسه الذي تشاهدونه في هذه الكنيسة كان يؤلف موكب يسوع: هذا يسير أمامه، وذاك يسير وراءه، والآخر يضع أمامه ما تيسّر: قطعة قماش أو ثوباً أو غصناً من أغصان الشجر. 

إذاً كان الكبار والصغار، وخصوصاً الصغار بمثابة الجنود الذين أمام المخلّص، فلا عجب أن نركِّز اليوم في عيدنا على الصغار الذين هم أيضاً أسهموا في (الدورة)، دورة المخلّص. كنت أتصوّر، يا أحباء، ونحن ندور، أن الرب، مرموزاً له بصليبه، يسير أمامنا وكنت أتصوّرنا نخاطب أولادنا هكذا: يا ابني تزيّن، البس أجمل ما عندك وأفضل ما لديك، احمل الزهر إشارة للبهجة، وأضيء الشمع إشارة للنور، لأن الموكب الذي تستعد للسير فيه موكب ابتهاج وموكب نور. تصوّروا أننا نسير وهؤلاء الأطفال هم موضوع بهجتنا.

هنا ألفتكم إلى أمر خاص وهو أن أطفالنا موضوع بهجتنا ليسوا كذلك بحد ذاتهم لأننا نراهم كل يوم، نراهم في بيوتنا، لكن ابتهاجنا بهم لأنهم يسيرون في موكب الرب. ابتهاجنا اليوم لأنهم يربطون صحتهم وجمالهم وبهجتهم ونورهم بما للرب يسوع الذي هو سائر أمامهم. هذه هي النقطة التي أود أن ألفتكم إليها. من أجل مسيرة المخلص اليوم، يا أحباء، اشتغلت الأمهات كثيراً، اشتغل الخيّاطون، اشتغل الحلاقون، اشتغل كل من يمكن أن يزيّن ويجمّل. 

الكل اشتغلوا من اجل هذه الساعة وهذا له معناه. هذا معناه يتجاوز هذه الدقيقة، دقيقة (الدورة)، ويتجاوز الساعة التي قضيناها في الكنيسة مقتفين خطى الرب سائراً أمامنا تحت شكل صليب. أمهاتنا اليوم ألفتهنّ إلى هذه الناحية: صورة مسيرتنا اليوم هي أننا عندما ندور، عندما نلبس، عندما نتزيّن، عندما نأتي إلى الكنيسة فغايتنا واحدة وهدفنا واحد هو شخص المسيح يسوع بالذات الذي إياه لبسنا، ومعه ننتقل من موت إلى موت، ومن قيامة إلى قيامة. أمهاتنا اليوم لم تقف مسؤوليتهنّ عن أطفالهنّ الذين قدموا لكي يأخذوا البركة عند حد الزمن الذي تستغرقه الخدمة الإلهية. إنها الآن فقط بدأت كما أنها كانت قد بدأت في ساعة المعمودية. أيتها الأم العزيزة، كوني أمّاً لمسيحي. فكثيراً ما تكوني مسيحية كما تعتقدين ولكنك أم لطفل غير مسيحي وابن غير مسيحي. أيها الآباء، عهد في أعناقكم وعلى أكتافكم، أولادكم عهد عليكم أمام الرب في يوم مسيرته، أن يضعوا منذ هذه الساعة الرب هدفاً إن أكلوا، أو شربوا، أو صلّوا، أو تنزّهوا. الصورة التي أود أن يبقيها كل واحد في ذهنه وأمام عينيه اليوم هي: يسوع أمام ابني. أمام ابني على الدوام لا في الكنيسة وحدها. وعليّ أنا كأب وكأم، علينا كآباء ومرشدين، أن ننبّهه بلا انقطاع قائلين له: يا ابني هذا الذي تسير في ركابه وجِّه نظرك إليه فهو سيدك. (يو1:12-18) أحد الشعانين هو يوم استقبالُ السيدِ عند دخوله إلى مدينة أورشليم حيث ستتم أحداث الآلام والصلب والموت والقيامة، واستُقبل عند أبوابها من الجموع كملك ومخلّص بالسعف والنخيل وبالهتاف: “أوصنّا في الأعالي مباركٌ الآتي باسم الرب”. 

من هم هؤلاء الذين استقبلوه؟ ربما رؤساء المدينة أو كبارها أو أصحاب الذوات و المراتب الرفيعة العالية؟ يجيبنا على ذلك الإنجيلي يوحنا بقوله: “الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد” أي عامة الشعب أخذوا “سعف النخيل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أوصنّا مبارك الآتي باسم الرب”. هم شاهدوا المسيح وهو يقيم لعازر، أو سمعوا به، لذلك حملوا السعف التي ترمز إلى انتصار المسيح على الموت بقيامة لعازر ومن ثم بقيامته. 

صراخ الشعب حاملاً السعف ليس سوى تأكيد على هذا النصر العظيم للمسيح والذي به ننال الخلاص. عبَّر الشعب عن احترامه للمسيح فاستقبله، عند دخوله أورشليم، بطريقة عفوية بسيطة متواضعة مليئة بالعواطف والتأثر كأنهم يعرفون أنه يتحضر ليقدم ذاته ضحية لخلاص الجميع، وكان استقباله استقبال المنتصرين الظافرين. كلها لحد الآن رائعة وجميلة ولكننا سنرى بعد أيام قليلة أن الشعب الذي صرخ مرحّباً بالملك نادى أيضاً بصلبه وموته. 

كيف انقلب وتغيّر؟ فهو من جهة يرى العجائب التي صنعها يسوع ومن جهة أخرى ينسحب خائفاً مما يجري من حوله، لماذا كلُّ ذلك ؟ حضور المسيح يزعج البعض كالرؤساء الذين لم يتأخروا عن وضع خطتهم الشيطانية لتسليمه للموت، فقاموا بتحضير الشعب وتأليبه ضدّ المسيح، فأغلقوا أعينهم عن كل العجائب التي صنعها أمامهم وأصمُّوا آذانهم عن التعاليم المقدسة كلها التي أعطاهم إياها، وهذا هو سببُ انقلاب الشعب على المسيح. بالنهاية كانت الأكثرية ضدّ المسيح والأقلية بجانبه. الأكثرية طلبت موته وبدون أن يعرفوا لماذا هكذا ببساطة لأن الرؤساء والمعلمين طلبوا منهم ذلك.

الشعب الضعيف يتبع رؤسائه متأملاً أن يرضيهم، فيظن أنه يكسب بذلك ولكنه يخسر ذاته وخصوصاً إذا كانت هذه التبعية تودي لصلب المسيح، أما إذا أراد أن يبحث عن الحقيقة والعدل خارج المسيح فهو لن يعرف أن يجدها فيعيش في ضياع لا يعرف مكان تواجدها. إذا كنا سنذهب لنحتفل بيوم الشعانين متهللين كالأغلبية فرحين بملابسنا وأطعمتنا ومقابلتنا الكثير من الناس ناسين أن نفرح بحضور المسيح فينا أو مبتعدين عن كل ما يغذينا روحياً من ممارسة لأسرار الكنيسة أو أعمال خيرية أو متغربين عن التوبة والتواضع الحقيقيين فإننا نكون قد ضللنا الطريق ونكون بذلك، دون أن نعلم أو نريد، قد صرخنا مقدَّمَاً “اصلبه”. 

إخوتي، وكنتيجة وخلاصة، إذا كنا من هذه الأغلبية التي تصرخ حاملة سعف النخل متهللة بالمسيح دون أن تعرفه في حياتها أنه الإله الحقيقي نكون قد ضلَلنا، لأن المسيح لا يبحث عن أشخاص ليصفقوا ويهللوا بل عن قلوب متهللة بالحضور الإلهي، يبحث عن الأشخاص الذين يتبعونه بإرادتهم في لحظات الألم والفرح، عن الذين سيموتون بموته فيتذوقون فرح قيامته، عن هؤلاء الذين سيصرخون مع القديس بطرس: “يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك” (يو68:60). 

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا أمين 
كل عام و الجميع بألف خير 
سامر يوسف الياس مصلح 
بيت ساحور05/04/2015

ليست هناك تعليقات: