أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 19 أبريل 2014

عيد الفصح المجيد



المعنى الحقيقي لعيد الفصح و تقاليده

لهذا العيد أسماء كثيرة أشهرها الفصح و العيد الكبير و عيدالقيامة و عيد النصر و عيد المصالحة كلمة الفصح هي تعريب كلمة “بسحا: = פסחא ” العبرية من الفعل “بَسَح” الذي يعني: اجتاز وعبر أو قفز عن الشيء دون أن يلمسه. في المسيحية تعني هذه الكلمة عبور وانتقال السيد المسيح عليه السلام من الموت إلى الحياة- القيامة.



القيامة هي أساس العقيدة لدى المسيحيين و هو أمجد أعياد المسيحيين لأنه يذكرنا بقيامة المسيح من الموت , و يذكرنا بأنه علينا التمثل به فهو مثال المحبة و التضحية و العطاء فقد صلب عنا و مات على الصليب و قام من الموت , و من خلال آلامه و عذاباته التي لا تقاس و لا تقارن بما نعانيه بالوقت الحاضر من آلام و عذاب و تهميش ,و ماعلينا أدراكه هو مهما كبرت وعظمت آلامنا وعذاباتنا فهي أشبه بحبة ملح في محيطات اّلآم المسيح ,و بقيامته المجيدة ندرك معنى العطاء الفعلي الذي لاحدود له و لا ثمن فالعطاء هو المحبة و التضحية من أجل الآخرين فليس بالمال وحده يحيا الأنسان

تبدأ الطقوس يوم الخميس الذي يسبق يوم الفصح والذي يسمى يوم خميس الأسرار أو يوم خميس غسل الأرجل والذي فيه غسل السيد المسيح عليه السلام أرجل تلاميذه العمل الذي يرمز إلى التواضع (يوحنا 13: 2- 20). في هذا اليوم أيضًا تحل ذكرى الوجبة الأخيرة التي أكلها السيد يسوع المسيح عليه السلام مع تلاميذه قبل صلبه.


يشير يوم الجمعة العظيمة الذي يلي خميس الأسرار إلى صلب السيد المسيح عليه السلام ، الجمعة العظيمة هي ما جمع بيد الرب في هذا اليوم من إيمان و تضحية , و تفاني , و بذل الذات من أجل الآخرين . فكما المسيح علمنا الأيمان بالرب و المعنى الحقيقي للتضحية بالذات ,و مات على الصليب لكي يعطينا الحياة الأبدية علينا جمعياً أخذ العبر و تطبيقها في حياتنا اليومية و بأن الرب لا يتركنا فهو دائماً معنا فلا نقول:


يا رب أنا عندي مشكلة , بل يا مشكلة أنا عندي ربُ كبير



يوم السبت الذي يلي يوم الجمعة العظيمة هو سبت النور، في هذا السبت في ساعات المساء المتأخرة تبدأ احتفالات الفصح – احتفالات انتصار السيد المسيح عليه السلام على الموت. يستمر العيد ثلاثة أيام وفيه مأكولات خاصّة:

البيض المسلوق الملوّن- وهو يرمز إلى القيامة
الكعك على شكل التاج – والذي يرمز إلى تاج الشوك الذي وضع على رأس السيد المسيح
المعمول - وهو يرمز إلى الإسفنجة التي أسقوا بواسطتها السيد المسيح عليه السلام وهو على الصليب.

(وهناك من يقولون بأنه يرمز إلى الصخرة التي وضع عليها الصليب.)

الكعك على شكل التاج – والذي يرمز إلى تاج الشوك الذي وضع على رأس السيد المسيح.

البيض المسلوق“, يعرف عيد الفصح في التراث الشعبي بـ” عيد فقاس البيض” - كلمة “فقاس” معناها التفقيس أي خروج الصوص من البيضة.
البيض (بيض الدجاج المعروف والذي يشتهر به العيد)

من هنا هذا العيد في التراث والتقاليد الشعبية هو عيد خروج الصيصان من البيض.ترمز البيضة إلى القبر (هناك من يرى وجود شبه بين قبر السيد المسيح عليه السلام والبيضة التي تكون جمادا بلا حياة ويخرج منها الفرخ.) وتكسير البيضة يرمز إلى قيامة السيد المسيح عليه السلام من القبر.


في هذا العيد من المألوف صبغ البيض بواسطة أزهار الصفير، أو أوراق البصل اليابس، ولكن إبداع الإنسان أوصله إلى طرق أخرى مثل طبع الأزهار، واستعمال الأصباغ الصناعية غير السامة، وهناك من يقومون بالرسم عليه أو الحفر عليه بواسطة آلات دقيقة، وكل ذلك رمز إلى البهجة بقيامة السيد المسيح عليه السلام. في كثير من البلدان تقام مباريات (بالذات بين الأولاد) في فقس البيض: ينقر الواحد ببيضته المسلوقة على بيضة زميله وصاحب البيضة التي تكسر البيضة الثانية يربح البيضة المكسورة.


و لعل بحلول هذا اليوم ندرك أن شهادتنا المسيحية لا تكتمل ونحن بفرقة و انقسام بل علينا السعي الى شفاء الجراح و التلاقي و التضامن لكي نتمكن من المصالحة مع الماضي ومع التاريخ ومع الآخر الذي هو أخ لنا بالرب يسوع.

معنى عيد الفصح
السؤال لا أقصد به المعنى العقائدي ولا أقصد به الذكرى التاريخية، بل أقصد الانعكاس المباشر على كل منا، لماذا أعيد عيد الفصح هذه السنة، ومالذي من الممكن أن يحدث أو يتغير في حياتي في هذا العيد؟

لنبدأ من طريقة ترتيب أعياد الكنيسة المختلفة فلربما يساعدنا هذا على فهم بعض الأمور.

من المعروف أن السنة الكنسية تبدأ في بداية شهر أيلول، وبذلك يكون أول عيد كبير في السنة الكنسية هو عيد الصليب الذي يأتي في 14 أيلول، أي قبل بدء الخريف بأسبوع، فصل الخريف هو فصل الضعف والمرض، الجو المحيط هو جو كئيب وصعب، ويبدو لذلك أنه من المناسب ورود عيد الصليب فيه حتى نشعر بمشاركة الرب لنا وتشديده لنا في آلامنا.
عيد الصليب إذاً هو عيد الألم، مثل ألم مخاض المرأة الحامل قبل الولادة.

بعد ذلك تأتي سلسلة من أعياد كبار قديسي الكنيسة ومعلميها، ولربما وضعت هنا لتكون تهيئة لاستقبال عيد الميلاد، كلمات معلمي الكنيسة وآبائها شيء بسيط من الكلمة الحقيقية نفسها التي ستتجسد لنا، وفي عمق البرد والظلمة يأتينا الرب مولوداً طفلاً بشرياً وذلك في وقت قريب من أقصر نهار في السنة الذي هو 21 كانون الأول، وبعده بفترة قصيرة يأتي عيد معمودية الرب.
فعندما يكون الإنسان في قمة ضعفه وألمه يأتيه الرب مولوداً جديداً، وبذلك كل مؤمن يولد بدوره من جديد في الرب، ويصير لديه القدرة على أن ينمو في الرب، أو بالحري أن ينمو الرب فيه.

الولادة طبعاً لا تعني أن الشخص وصل لمرحلة النضج، فهناك طريق طويل بعد من الخبرة الحياتية يجب على كل واحد أن يمر فيها حتى ينمو وينضج بشكل صحيح. بعد هذا يأتينا الصوم المقدس، إنه زمن الجهاد والتعب، ومع بداية الربيع يأتي العيد الكبير، عيد الفصح، الذي يدعى بحق عيد الأعياد وموسم المواسم.

في الربيع كل الدنيا تصير جميلة، يبدأ اليوم بالتحول فيصير النهار أطول من الليل، إنه البدء والانطلاق، وبالنسبة للمؤمن هذا العيد يعني أنه قد نضج روحياً، وأنه مستعد للانطلاق في العمل الروحي.

هل عيد الفصح هو نهاية؟ لا بل هو بداية، والفترة الفصحية التي هي أربعون يوماً ذكرى للأربعين يوماً التي قضاها الرب بعد قيامته على الأض وهو يعلم تلاميذه الأمور التي ما كان يمكن أن يفهموها قبلاً، عيد الفصح هو بمثابة شهادة التخرج للطالب ولكن بعد ذلك لا بد من فترة تدريبية قبل دخوله ميدان العمل.



بعد عيد الفصح نبدأ في الكنيسة بقراءة أعمال الرسل في الكنيسة، بعد قيامة الرب لم يعتبر التلاميذ أن كل شيء قد تم بمعنى أنه صار بإمكانهم الآن الاستراحة والانصراف إلى التمتع بملذات الحياة، بل اعتبروا القيامة موعداً للانطلاق إلى البشارة والعمل.

الفصح إذاً مثل التخرج من الجامعة، ولكن التخرج لا يعني النهاية بل بداية الدخول في حياة العمل، هو زواج النفس مع خالقها، ولكن الزواج ليس النهاية بل بداية حياة مشتركة، فيها تعب وألم ولكن فيها فرح مع ذلك.

بعد ذلك يبدأ صوم الرسل وينتهي في عيد القديسين بطرس وبولس في 29 حزيران، وهو موعد قريب من أطول يوم في السنة 21 حزيران. في هذا العيد نقرأ إقامة بطرس لطابيثة، والذي يعرف كتاب أعمال ارسل يعرف أن القسم الأول يتحدث عن بطرس وينتهي بإقامة بطرس لطابيثة من الموت، ومن تم القسم الثاني يتحدث عن بولس وينتهي بإقامة بولس لأفتيشيوس من الموت ومن ثم يأتي القسم الثالث وهو رحلة بولس إلى روما.

إن إقامة بطرس وبولس للأموات يدل على أن الرسل وصلوا إلى مرحلة مماثلة الرب في عظم أعماله، والرحلة إلى روما تعني أيضاً وصول البشارة إلى العالم أجمع التي تمثل روما عاصمته في وقت كتابة أعمال الرسل.

إذاً إن عيد الرسل هو عيد إنهاء المؤمن لعمله وتتميمه بنجاح، ماذا يأتي بعد ذلك؟ إنه تجلي الرب للمؤمن ولذلك نعيد لعيد تجلي الرب في 6 آب، وهو الوقت الذي يكون فيه حر السنة في أقصى درجاته، وبعد هذا بأيام قليلة جداً يأتينا عيد انتقال والدة العذراء، العذراء التي بلغت أقسى درجات القداسة التي يمكن لإنسان بلوغها، وهي لا تقل شيئاً عن كامل قداسة الرب التي يمنحها الرب لكل لمحبيه.

إذاً لقد عشنا الآلام قبلاً، ومن ثم ولد المسيح فينا وصرنا ننمو ونتعلم حتى بلغنا التخرج أو الزواج وبعد ذلك انطلقنا في العمل الروحي وأتمنناه في عيد الرسل ومن ثم ظهر الرب لنا وبلغنا عيد السيدة الذي هو عيد القداسة، أقصى القداسة.فعيد الفصح إذاً ليس نهاية بل هو بداية، ولكنها بداية سعيدة لحياة فيها تعب وجهد ومع ذلك مليئة بالفرح، فرح الرب.


فصح مجيد ---- المسيح قام حقاً قام
ينعاد عليكم بالفرح والسلام ويحفظكم الرب انتم وعائلاتكم.

مع محبيتي لكم بالمسيح ربنا
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 20-04-2014

الخميس، 17 أبريل 2014

خميس الأسرار المقدس - أسبوع الآلام - غسل الأرجل

خميس الاسرار 

الفصح لفظة عبرانية معناها ( العبور) وسمي ايضا عيد الفطير أو خميس العهد أو خميس الأسرار وايضا يسمى العشاء الأخير .


لكي نفهم الفصح علينا ان نعود الى العهد القديم الى زمن النبي موسى .
الفصح هو إشارة لعبور الملاك المهلك عن بيوت العبرانيين وعدم ضربه لأبنائهم الأبكار عندما كانوا عبيدا في أرض مصر . واقتضى عمل الفصح خمسة أمور


1 - ذبح خروف كامل يكون عمره سنة بلا عيب أو مرض . 2 - يرش دمه على قائمتي الباب والعتبة العليا .
3 - شواء الخروف صحيحا دون أن يُكسر عظمه . 4 - أكله مع الفطير والأعشاب المرة .
5 - عدم إبقاء شيء منه إلى الصباح فالباقي يحرق . ونلاحظ في هذا كله الرمز إلى آلام المسيح وموته.


تحتفل الكنيسة بعيد الفصح أي العبور بفرح . إنه عبور المسيح إلى الآب وعبور المسيحيين أليه . لقد وهب المسيح ذاته للكنيسة في فعل حب كامل . وأراد أن يستمر هذا العطاء بين تلاميذه . فاختار الخبز والخمر رمزا لجسده المبذول من أجلهم .

الخبز يرمز إلى تعب الإنسان ومعاناته في سبيل العيش الكريم . والخمر تشير إلى فرح الملكوت .

والاثنان يعبران عن الحب العميق . ونحن إذ نشترك في هذا الفصح ، إنما حتى نعيش نفس القدر من الحب وبنفس المستوى من العلاقة . وهنا نرى المسيح يعطي رسما مختلفا عن الفصح .


فهناك في الفصح كان اليهود يتذكرون نجاة أبنائهم من الهلاك الزمني .
اما في العهد الجديد يتذكر المسيحيون نجاتهم من الهلاك الأبدي بموت المسيح فصحهم ( لأن فصحنا أيضا المسيح قد ذبح لأجلنا ) (1كورنثوس 5 - 7 ) .


وقد أخذ المسيح رغيفا من الفطير الذي أمامه وطلب بركة الله عليه وشكر لأجله وكسر إشارة إلى جسده الذي سيكسر لأجل آثامنا ( الذي يبذل عنكم ) (لوقا 22 - 19 ) .


وقد واظبت كنيسة المسيح على هذا العمل فيما بعد . وبعدها أخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلا ( اشربوا منها كلكم ) في الفصح اليهودي كان دم خروف الفصح يشير إلى دم المسيح ، لكن منذ ليلة العشاء الرباني اصبحت الكأس هي التي تشير إلى دم المسيح . ثم قال المسيح ( هذا هو دمي الذي للعهد الجديد ) . إن كلى العهدين القديم والجديد قد تثبتا بالدم .


لكن القديم كان بدم الحملان على يد موسى ( وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هذا هو دم العهد الذي قطعه الرب معكم ) (خروج 9 - 8 ) .


أما في العهد الجديد فقد تثبت العهد على يد المسيح بدمه .
في ليلة خميس العهد رسم المسيح العشاء الرباني فريضة دائمة في كنيسته إلى أن يأتي ثانية ( فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء ) (1كورنثوس 11 - 26 ) .


يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متآزرا بها غسل خطاياهم وطهرهم وجعلهم أنقياء وأجلسهم على مائدته . أحنى رأسه أمام تلاميذه كذليل ، ولكن باتضاعه رفعهم .


قال بطرس لن تغسل رجلي . لم يفهم بطرس ما معنى السلطة وغايتها كيف وهو السيد يغسل الأقدام كالعبد ؟ كيف وهو صاحب السلطة يتحول إلى مأمور ضعيف ؟ فالسلطة ، بالنسبة للمسيح كانت خدمة غايتها بنيان الذات والآخر . وإذا كانت السلطة تسلطا واستغلالا للآخر . فعاقبتها الثورة والموت . السلطة كما فهمها المسيح يجب الإكثار من استعمالها لأنها ستؤدي حتما إلى حياة أفضل للذات والآخر .


اذا الفصح المسيحي هو العبور من الموت إلى الحياة . رسم الأفخارسيتا هو قصة عيد مأساوي . يسوع يقدم ذاته فصحا جديدا عن البشرية ، فذبيحة يسوع ترتسم إذا في امتداد الفصح اليهودي لكنها علامة العهد الجديد لأنها تعلن موت المسيح وقيامته . نحن نحتفل في الأفخارستيا ، ويسوع حاضرا ومشاركا معنا . نعيد الكلمات التي تلفظ بها هو بنفسه ونؤمن بأنه حاضر معنا في كل احتفال . قال يسوع (إصنعوا هذا لذكري ) بصيغة الجمع اي المؤمنين جميعا .
سلام الرب معكم


(( اهكذا لاتقدرون ان تسهروا معي ساعة واحد ؟ اسهروا وصلوا لئلا تقعو في التجربة . الروح راغبة ، ولكن الجسد ضعيف)) متى26


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 17/04/2014

الاثنين، 14 أبريل 2014

الأسبوع العظيم من الصوم الأربعيني المقدس

الختن، كلمةٌ سريانيةٌ تعني في اللغة العربية (العريس).

نسمع هذه الكلمة مراتٍ عديدة في ليتورجيتنا، وخاصةً في صلاة نصف الليل، وصلاة الختن في الأسبوع العظيم من الصوم الأربعيني المقدس أيام (الأحد - الاثنين - الثلاثاء)، فنسمع: "ها هوذا الختن يأتي في نصف الليل، فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظاً....".



وهذه الطروبارية مأخوذة من مثل العذارى في إنجيلي متى ولوقا، الذي طرحه السيد المسيح كأنموذجٍ للنفس البشرية في اختيارها طريق اليقظة والسهر الروحي من خلال اقتناء (الزيت) الذي هو الفضائل والأعمال الصالحة، حيث نسمع في المثل عن العذارى العشر اللواتي خرجنّ للقاء العريس (دلالة المجيء الثاني للسيد المسيح)، خمس عاقلات، وخمس جاهلات، أما العاقلات فكان معهن زيتاً كفاية، ليستقبلن فيه العريس الذي جاء في منتصف الليل (دلالة على قدوم السيد المفاجئ)، فكن متيقظاتٍ واستحققن أن يستقبلن العريس، ويأخذنَّ الطوبى. عكس العذارى الخمس الجاهلات اللواتي جاهدنَّ، ولكن ليس كفايةً، فلم يستحققنَ لقاء العريس وبقينَّ خارج العرس أي خارج الملكوت.

من هنا، فالكنيسة تحث المؤمنين على عدم الاستغراق في النوم، أي عيش اليقظة الدائمة التي من خلالها ننتبه إلى حياتنا وتصرفاتنا في حفظ وصايا الرب، ونكون متيقظين حتى نستحق في النهاية أن نستقبل يسوع (الختن)، في قلوبنا ليملك عليها، ولنكون مثل العذارى الخمسة اللواتي دخلن مع يسوع إلى العرس الإلهي.

كانت حياة المسيح كلها آلاماً وصليباً. فقد وُلد مصلوباً من الطبيعة، في أبرد شهور السنة، وُلد عرياناً لم تجد أُمُّه ما تغطي به جسده الغض. وُلد بين الحيوانات، في مغارة ليس بها باب. وهكذا بدأ حياته مصلوباً. جاع وعطش، تعب، حزن، بكى... آلام لا نهاية لها.

لذلك يمكن أن نلُخص حياته كلها التي قضاها على الأرض ونقول‏:‏ إنه وُلد وعاش هذه الثلاث والثلاثين سنة لكي يُصلب. وهذا هو النوع الأول من الآلام التي جازها المسيح على الأرض، آلام طبيعية، دخلت عليه، فقَبِلَها، ورضي بها اضطراراً، ولكنه اضطرار الحب. فالمسيح من عمق حبه قَبِلَ تلك الآلام، لم يمنع نفسَه من قبول الأوجاع والإهانات التي آتته. قَبِلَ كل هذا من جهة الحب والحق والاتضاع.


جاء والتزم بهذه الآلام الصغيرة من جهة المشورة الإلهية التي حتَّمت التجسد، وأن يصير إنساناً، في صورة عبد، يحمل آلام العبيد وأتعابهم. كل هذا لم يكن هو مُضطراً لقبوله قط ولا كانت حُتِّمت عليه بإلزام.

كان قادراً بقدرته الإلهية أن يبيد الأشرار بنفخة فيه، ولكنه تركهم يفعلون به كما يشاءون. كان يمكن أن لا يتعب من السفر ساعات طويلة فيسير على الماء أو حتى في الهواء، ولكنه لم يفعل. كان باستطاعته أن يُفجِّر من الأرض ينابيع ماء لا تنضب، ولا يطلب من السامرية ماءً ليشرب. كان يمكن أن لا يجوع، ذاك الذي أطعم الآلاف، ولكن إذ به يطلب من تلاميذه أن يبتاعوا له خبزاً.


في كل هذا، حجز قدرته الإلهية، لتمنعه من العوز والضيق ومن الحزن والألم، من الجوع والعطش.
كل الآلام السابقة كانت شركة مع البشرية، آلام دخلت عليه دخولاً طبيعياً. يقول سفر العبرانيين عن المسيح إنه كان مُجرَّباً مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية طبعاً. ولكننا نقول إن هذه الآلام ليست هي الآلام التي فدت البشرية، فالفداء تم بالصليب والموت.


وهنا نأتي إلى النوع الثاني من الآلام التي جازها المسيح، وهي الآلام الخلاصية، آلام الفداء، الآلام التي انتهت بالموت. فبالموت وحده أكمل المسيح الفدية. "نفسٌ بنفسٍ". هذه الآلام دخل إليها المسيح دخولاً متعمَّداً مقصوداً وحتَّمها على نفسه ، وقَبِلَ حتميتها من يد أبيه الحانية، بل هو أتى إلى هذه الساعة، وارتضى أن يشرب كأس الصليب التي أعطاها له الآب. فالصليب، يا أحبائي، محسوب حسابه من قبل الزمن‏:‏ «عالمين إنكم اُفتديتم لا بأشياء تفنى..بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح، معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظهِرَ في الأزمنة الأخيرة من أجلكم».
من هنا جاءت حتمية الآلام وحتمية الفداء، فداء الموت. بل إننا نستطيع أن نقول أن صليب المسيح كان مرسوماً ومكتملاً في التدبير الإلهي كفعل كامل تم في المشورة الإلهية ولا يُنتظر إلا استعلانه بحسب الواقع البشري الزمني فقط. يقول في سفر الرؤيا‏:‏ «الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الخروف الذي ذُبح». فالمسيح مذبوح بالفعل في المشورة منذ الأزل، وهو إلى الآن قائم كأنه مذبوح.

وهكذا فإن آلام الصليب الفدائية لها في الحقيقة وجهان‏:‏
وجهٌ بشعٍ يمثله حقد اليهود وشرهم المريع، والعداوة التي أضمروها والشهود الكذبة والقضاء الظالم، ثم عذابات الصلب والمسامير والجلد والبصق...، لهذا السبب أُعثِر غيرُ المؤمنين في الصليب، ظنوا أنه عن عجز وضعف. ولكن هذا هو الوجه الظاهر للصليب.

ولكن هناك وجه آخر مُشرق‏:‏ إنه مشورة الآب المحتومة منذ الأزمنة الأزلية، قبل تأسيس العالم. هذا الوجه ينضح حباً ومسرة، ويرتفع إلى أعلى مفهومات البذل الإلهي الفائق الوصف من نحو العالم، كما تقول الآية‏:‏ «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد». إنه حب مكنون في قلب الآب من جهة الابن، والذي على أساسه سلَّم ابنه للذبح. فهنا خطة الصليب لم تقم على شر الأشرار وظلم الظالمين ولكن على أساس الحق الإلهي والعدل الذي لابد أن يُستوفى هنا على الأرض. هذه الصورة مُبهجة جداً لذلك يقول‏:‏ «احتمل الصليب، مُستهيناً بالخزي، من أجل السرور الموضوع أمامه». فـ "أمامه"أي في الأزل، أي قبل أن ينـزل ويتجسد، أي أن المسيح كان يعرف مُسْبقاً تماماً ما هو سوف يُتممه في الزمن.

ونقول يا أحبائي، إن هذا الوجه المخزي المؤلم للصليب، لم يُثنِ المسيح عن تتميم مطالب الوجه السماوي المملوء طاعةً وكرامةً للآب، ثم حبه العميق من نحو البشرية. وقد كان من نتيجته انتصار الحب الإلهي، انتصاراً فيه تمجيد الله الآب بكل طاعة الابن. وانتصاراً لخلاص الإنسان على مدى الأيام والدهور كلها. نعم كان الصليب هو طريق الاتضاع والمذلة الإرادية المُذهلة؛ ولكنه كان هو هو في نفس الوقت الذي أوصل المسيح إلى قمة الانتصار والمجد السماوي، ومعه ملايين من الخليقة الجديدة من بني الإنسان الذين رفعهم إلى ذات المجد وذات النصرة وأدخلهم معه على الحياة الأبدية في شركة الآب وإلي ملء الفرح الأبدي.

والآن ما هي قيمة آلام المشاركة بالنسبة لنا؟
المسيح أخذ طبيعتنا بكل أتعابها التي دخلت فينا بسبب الخطية واللعنة، شارك البشرية في آلامها الطبيعية التي كانت محسوبة أنها لعنة بسبب الخطية. هو يسألنا‏:‏ أتبكون؟ يقول لنا‏:‏ لا تحزنوا، لقد بكيت مثلكم. أتجوعون وتعطشون؟ لقد جُعتُ وعطشتُ أنا أيضاً. َأظـُِلمتـُمْ؟ لقد كنتُ مُستهدفاً لكل أنواع المظالم وأقصاها. لقد شاركتُ البشرية في كل أتعابها وأوجاعها وآلامها التي ورثتها بشريتكم وصارت في أجسادكم نتيجة لعنة الخطية.


وطبعاً المسيح هو من غير خطيئة وبدون لعنة، إذن، فكونه يشارك آلامنا، تكون مشاركته عالية القيمة جداً جداً، فهي تنضح علينا، وتعود علينا قوة القدوس البار الذي بلا لوم، الذي صار رئيس كهنة، لكي يكون رحيماً فيما لله، لكي يعيننا نحن المُجرَّبين. كذلك فإن الجهد والتعب، والأحزان بأنواعها، الضيقات بكل صنوفها، هي أيضاً شارَكَنا المسيح فيها. تنازل عن مجده، رفع العصمة عن نفسه، قال مَرحباً بالآلام، مع أن الألم لا يستطيع أن يَقْرَبَـه؛ فمن هو الذي يستطيع أن يؤلمِّ ابن الله؟! ولكن هذا هو مسيحنا الذي رفع اللعنة عن عرق الجبين لأكل الخبز، ورفع اللعنة عن جميع الأوجاع والأمراض وحوَّلها إلى شركة حب. لذلك نحن عندما ندخل في مثل تلك الآلام ننظر لمن تألم معنا بها، مثلنا تماماً، ونستمد منه العون.

إن من يحيا في المسيح، من يمُسك في المسيح، لن يصير له الألم بعد لعنة، لن يُحسب عليه أي ظلم أو جور أو حزن أيّاً كان أنه لعنة أو غضب أو تخلية؛ بل ستتحول الحياة كلها إلى لذة، إلى حب ومشاركة حب. نحن لم نعُد نعيش بعد لأنفسنا؛ بل للذي مات من أجلنا وقام. لقد صرنا مربوطين بالمسيح ارتباطاً لا انفصال فيه، لا يُخلخله ألم، ولا تؤثر فيه مظالم أو أمراض أبداً. لا تخلية بالنسبة لأولاد الله أبداً. آلامك لم تعد لك، يا حبيبي، أفراحك هي أيضاً ليست لك، كل الحياة أصبحت له. بل أقول سرّاً‏:‏ إنك ستحس بالمسيح في أحزانك وآلامك أكثر من إحساسك به في أفراحك.
لقد دخلت الحياة برمتها في المسيح يسوع هذا الذي عاش حياتنا مثلنا تماماً.

سؤال‏:‏ هل نحن عملنا شيئاً ولم يعمله هو؟! هل نحن مررنا على أية قامة وهو لم يمر عليها؟! هل تألمنا نحن بنوع ألم لم يختبره أو يَجُزْهُ المسيح؟!

لقد استقطب المسيح كل الآلام اليومية الطبيعية، رفع عنها عنصر اللعنة المتغلغلة في سائر حياتنا. وبالتالي صارت أتعابنا وأمراضنا وأوجاعنا كلها الآن، لا تمتُّ للَّعنة الأولى بصلة. لم يعُد للخطية سلطان. أما الآلام التي قد نجوزها الآن، فهي بركة، إنها شركة في المسيح. فكل ضيق وألم نجوزه الآن، هو من يد الله، لكي ننمو في الله.

صورة عجيبة، يا أحبائي، لقد تحولت الحياة اليومية إلى حياة فوق الزمن.
فمع الله في المسيح يسوع، لم يعد هناك بعد لعنة، لم يعد هناك انفصال عن الله، والانفصال هو اللعنة بعينها. الآن، نحن نحيا لا لأنفسنا، ونتألم لا لأنفسنا؛ لأن ابن الله مات عنا، ليعيدنا إلى الله كاملين في الحب. لذلك أصبحت الآلام اليومية لكل أولاد الله هي شركة حب ووقود لإشعال القلب كل يوم بحبه. وكأننا لا نتألم وحدنا ولا نحيا لذواتنا بل نتألم لنـزداد قُرباً من الله، ونزداد حباً فيه وحياة.
ها هو ذا الختن يأتي في نصف الليل فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظااما الذي يجده متغافلا فهو غير مستحق فانظري يا نفسي ألا تستغرقي في النومويغلق عليك خارج الملكوت وتسلمي الى الموتبل كوني منتبهة صارخة : قدوس قدوس قدوس انت يا الله.
من اجل جميع قديسيك ارحمنا.


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
أسبوع مبارك للجميع
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 14/04/2014

الأحد، 13 أبريل 2014

أحد الشعانين - الدخول إلى أوراشليم 

أحد الشعانين وجِّه نظرك إليه في هذا اليوم المقدس المبارك يتّخذ عيدنا طابعه المسيطر، طابع الأطفال. وفي (الدورة) كان الصليب المقدس يتقدم أطفالنا ويُقَدَّم لهم للتقبيل والتبرك. وكان الآباء والأمهات يحملون أولادهم ويقتربون بهم أكثر فأكثر من الصليب المكرم كي يُقَبِّلوهْ ويتبركوا بنعمته. 

في هذا الوقت بالذات كنت أفكر كيف أننا نحن أيضاً نواكب الرب في مسيرته من بيت عنيا إلى أورشليم. ماذا كان في بيت عنيا ؟ في بيت عنيا صديق للرب كان قد مات، فأتى الرب وأقامه من بين الأموات، فكان أن اليهود الذين لم يؤمنوا بيسوع رباً وسيّداً ومسيحاً، هؤلاء عندما شاهدوا المعجزة انفتحت قلوب بعضهم وبدأ الإيمان يدب في قلوبهم، فهلعت قلوب رؤسائهم لأن يسوع أمسى خطراً على المجمع بالذات وعلى الهيكل وعلى الجماعة، الجماعة اليهودية برمّتها. 

خافوا أن يفرغ الهيكل من العابدين وأن ينسحب من المجمع من كان مشتركاً فيه. فجاء الرؤساء وبدأوا يكيدون لابن البشر، راحوا يضربون أخماساً بأسداس. ماذا يجب أن نفعل كي نزيل هذا الذي يضرّ بهيكلنا ؟ كيف يمكننا أن نبعده ؟ وشرعت الدسائس والمؤامرات وبدأت الترتيبات ليؤخذ ربنا يسوع المسيح مخفوراً ويعلَّق على الصليب فدية عن العالم. ماذا خلَّف الرب يسوع المسيح في بيت عنيا ؟ لقد خلّف يسوع موتاً مؤقتاً وقيامة مؤقتة. في بيت عنيا لعازر مات لثلاثة أيام أو أربعة، ثم قام، وها المسيح الآن في اتجاه أورشليم، في اتجاه القدس. ماذا ينتظره بعد أيام في القدس ؟ 

ينتظره أيضاً موت وتنتظره قيامة. ولكن هذا الموت من نوع آخر والقيامة من نوع آخر أيضاً. إذاً التحرك من بيت عنيا إلى أورشليم، تحرك من موت إلى موت ومن قيامة إلى قيامة. لكن الموت والقيامة الأولين كانا مؤقتين. أمّا الموت والقيامة الآخران فنتكلّم عنهما في حينه. لماذا يا تُرى نذكر الأطفال بصورة خاصة في استقبال يسوع ؟ لماذا ذكر الإنجيل الجموع بدون تخصيص بينما نحن نخصّ الأطفال بهذا العيد ؟ لا شك في أننا نذكر الأنبياء ونبوءاتهم: (من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً). النص الإنجيلي ذكر الجموع الغفيرة من البالغين التي واكبت المخلص. والنبوة لم تركز على مشاركة البالغين في الموكب بمقدار مشاركة الصغار. نعم المشهد نفسه الذي تشاهدونه في هذه الكنيسة كان يؤلف موكب يسوع: هذا يسير أمامه، وذاك يسير وراءه، والآخر يضع أمامه ما تيسّر: قطعة قماش أو ثوباً أو غصناً من أغصان الشجر. 

إذاً كان الكبار والصغار، وخصوصاً الصغار بمثابة الجنود الذين أمام المخلّص، فلا عجب أن نركِّز اليوم في عيدنا على الصغار الذين هم أيضاً أسهموا في (الدورة)، دورة المخلّص. كنت أتصوّر، يا أحباء، ونحن ندور، أن الرب، مرموزاً له بصليبه، يسير أمامنا وكنت أتصوّرنا نخاطب أولادنا هكذا: يا ابني تزيّن، البس أجمل ما عندك وأفضل ما لديك، احمل الزهر إشارة للبهجة، وأضيء الشمع إشارة للنور، لأن الموكب الذي تستعد للسير فيه موكب ابتهاج وموكب نور. تصوّروا أننا نسير وهؤلاء الأطفال هم موضوع بهجتنا.

هنا ألفتكم إلى أمر خاص وهو أن أطفالنا موضوع بهجتنا ليسوا كذلك بحد ذاتهم لأننا نراهم كل يوم، نراهم في بيوتنا، لكن ابتهاجنا بهم لأنهم يسيرون في موكب الرب. ابتهاجنا اليوم لأنهم يربطون صحتهم وجمالهم وبهجتهم ونورهم بما للرب يسوع الذي هو سائر أمامهم. هذه هي النقطة التي أود أن ألفتكم إليها. من أجل مسيرة المخلص اليوم، يا أحباء، اشتغلت الأمهات كثيراً، اشتغل الخيّاطون، اشتغل الحلاقون، اشتغل كل من يمكن أن يزيّن ويجمّل. 

الكل اشتغلوا من اجل هذه الساعة وهذا له معناه. هذا معناه يتجاوز هذه الدقيقة، دقيقة (الدورة)، ويتجاوز الساعة التي قضيناها في الكنيسة مقتفين خطى الرب سائراً أمامنا تحت شكل صليب. أمهاتنا اليوم ألفتهنّ إلى هذه الناحية: صورة مسيرتنا اليوم هي أننا عندما ندور، عندما نلبس، عندما نتزيّن، عندما نأتي إلى الكنيسة فغايتنا واحدة وهدفنا واحد هو شخص المسيح يسوع بالذات الذي إياه لبسنا، ومعه ننتقل من موت إلى موت، ومن قيامة إلى قيامة. أمهاتنا اليوم لم تقف مسؤوليتهنّ عن أطفالهنّ الذين قدموا لكي يأخذوا البركة عند حد الزمن الذي تستغرقه الخدمة الإلهية. إنها الآن فقط بدأت كما أنها كانت قد بدأت في ساعة المعمودية. أيتها الأم العزيزة، كوني أمّاً لمسيحي. فكثيراً ما تكوني مسيحية كما تعتقدين ولكنك أم لطفل غير مسيحي وابن غير مسيحي. أيها الآباء، عهد في أعناقكم وعلى أكتافكم، أولادكم عهد عليكم أمام الرب في يوم مسيرته، أن يضعوا منذ هذه الساعة الرب هدفاً إن أكلوا، أو شربوا، أو صلّوا، أو تنزّهوا. الصورة التي أود أن يبقيها كل واحد في ذهنه وأمام عينيه اليوم هي: يسوع أمام ابني. أمام ابني على الدوام لا في الكنيسة وحدها. وعليّ أنا كأب وكأم، علينا كآباء ومرشدين، أن ننبّهه بلا انقطاع قائلين له: يا ابني هذا الذي تسير في ركابه وجِّه نظرك إليه فهو سيدك. (يو1:12-18) أحد الشعانين هو يوم استقبالُ السيدِ عند دخوله إلى مدينة أورشليم حيث ستتم أحداث الآلام والصلب والموت والقيامة، واستُقبل عند أبوابها من الجموع كملك ومخلّص بالسعف والنخيل وبالهتاف: “أوصنّا في الأعالي مباركٌ الآتي باسم الرب”. 

من هم هؤلاء الذين استقبلوه؟ ربما رؤساء المدينة أو كبارها أو أصحاب الذوات و المراتب الرفيعة العالية؟ يجيبنا على ذلك الإنجيلي يوحنا بقوله: “الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد” أي عامة الشعب أخذوا “سعف النخيل وخرجوا للقائه وكانوا يصرخون أوصنّا مبارك الآتي باسم الرب”. هم شاهدوا المسيح وهو يقيم لعازر، أو سمعوا به، لذلك حملوا السعف التي ترمز إلى انتصار المسيح على الموت بقيامة لعازر ومن ثم بقيامته. 

صراخ الشعب حاملاً السعف ليس سوى تأكيد على هذا النصر العظيم للمسيح والذي به ننال الخلاص. عبَّر الشعب عن احترامه للمسيح فاستقبله، عند دخوله أورشليم، بطريقة عفوية بسيطة متواضعة مليئة بالعواطف والتأثر كأنهم يعرفون أنه يتحضر ليقدم ذاته ضحية لخلاص الجميع، وكان استقباله استقبال المنتصرين الظافرين. كلها لحد الآن رائعة وجميلة ولكننا سنرى بعد أيام قليلة أن الشعب الذي صرخ مرحّباً بالملك نادى أيضاً بصلبه وموته. 

كيف انقلب وتغيّر؟ فهو من جهة يرى العجائب التي صنعها يسوع ومن جهة أخرى ينسحب خائفاً مما يجري من حوله، لماذا كلُّ ذلك ؟ حضور المسيح يزعج البعض كالرؤساء الذين لم يتأخروا عن وضع خطتهم الشيطانية لتسليمه للموت، فقاموا بتحضير الشعب وتأليبه ضدّ المسيح، فأغلقوا أعينهم عن كل العجائب التي صنعها أمامهم وأصمُّوا آذانهم عن التعاليم المقدسة كلها التي أعطاهم إياها، وهذا هو سببُ انقلاب الشعب على المسيح. بالنهاية كانت الأكثرية ضدّ المسيح والأقلية بجانبه. الأكثرية طلبت موته وبدون أن يعرفوا لماذا هكذا ببساطة لأن الرؤساء والمعلمين طلبوا منهم ذلك.

الشعب الضعيف يتبع رؤسائه متأملاً أن يرضيهم، فيظن أنه يكسب بذلك ولكنه يخسر ذاته وخصوصاً إذا كانت هذه التبعية تودي لصلب المسيح، أما إذا أراد أن يبحث عن الحقيقة والعدل خارج المسيح فهو لن يعرف أن يجدها فيعيش في ضياع لا يعرف مكان تواجدها. إذا كنا سنذهب لنحتفل بيوم الشعانين متهللين كالأغلبية فرحين بملابسنا وأطعمتنا ومقابلتنا الكثير من الناس ناسين أن نفرح بحضور المسيح فينا أو مبتعدين عن كل ما يغذينا روحياً من ممارسة لأسرار الكنيسة أو أعمال خيرية أو متغربين عن التوبة والتواضع الحقيقيين فإننا نكون قد ضللنا الطريق ونكون بذلك، دون أن نعلم أو نريد، قد صرخنا مقدَّمَاً “اصلبه”. 

إخوتي، وكنتيجة وخلاصة، إذا كنا من هذه الأغلبية التي تصرخ حاملة سعف النخل متهللة بالمسيح دون أن تعرفه في حياتها أنه الإله الحقيقي نكون قد ضلَلنا، لأن المسيح لا يبحث عن أشخاص ليصفقوا ويهللوا بل عن قلوب متهللة بالحضور الإلهي، يبحث عن الأشخاص الذين يتبعونه بإرادتهم في لحظات الألم والفرح، عن الذين سيموتون بموته فيتذوقون فرح قيامته، عن هؤلاء الذين سيصرخون مع القديس بطرس: “يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك” (يو68:60). 

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا أمين 
كل عام و الجميع بألف خير 
سامر يوسف الياس مصلح 
بيت ساحور13/04/2014

الجمعة، 11 أبريل 2014

سبت أليعازر


سبت لعازر


ينتهي الصوم بمعناه الحصري, يوم الجمعة الذي يلي الأحد الخامس من الصوم, إذ تنتهي فترة الأربعين يوماً وتمتد فترة الآلام من نهاية الصوم هذه وحتى عيد القيامة, يوم السبت العظيم, وهكذا تشمل السبت الذي يلي الأحد الخامس من الصوم المدعو بـ"سبت لعازر" والأيام الستة الأولى من الأسبوع العظيم يحتل سبت لعازر مكانة خاصة في السنة الليتورجية.


إنه يقع خارج أيام الصوم الأربعيني, وكذلك خارج أيام الأسبوع العظيم الأليمة. يشكل هذا السبت مع أحد الشعانين الذي يليه مقدمة فرحة لأيام الآلام. ويجمعه هذا الموقع الجغرافي بأحد الشعانين, إذ أن بيت عنيا هو, في آن, مكان قيامة لعازر ونقطة انطلاق يسوع في صعوده إلى أورشليم.


إنه مرتبط بصورة سرية بقيامة المسيح نفسه, ويلعب دور النبوءة المحققة. ويمكننا القول بأن لعازر يظهر لنا على عتبة أعياد الفصح كسابق ليسوع المسيح الغالب الموت, كما هو شأن يوحنا المعمدان, عشية عيد الظهور, بحيث ظهر كسابق للمسيح, وعلاوة على المدلول الأساسي لقيامة لعازر فإن مظاهر ثانوية يمكن التوقف عندها لتكون موضوعاً مفيداً للتأمل.


لا تمت الرسالة التي تتلى في القداس الإلهي بصلة لقيامة لعازر ولكن إحدى آياتها تنطبق على رأفة يسوع على لعازر. وتشمل الرسالة وصايا أخلاقية مختلفة: الاستمرار على المحبة الأخوية, استضافة الغرباء, عدم تدنيس الزواج, طاعة الرؤساء "إلهنا نار آكلة", "لا أخذلك ولا أهملك", "إن يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد", لأن أسمى الحقائق الرويحة لا تنفصل عن المقتضيات العملية البسيطة التي تنبثق عنها بالضرورة.


يسرد الانجيل حادث قيامة لعازر. وتعطينا أناشيد السحر تفسير الكنيسة لهذه القيامة :" سبقت يا مخلصي فحقق قيامتك المجيدة لما اعتقت من الجحيم لعازر.....", إنها حسب قول النشيد "تحقيق" مسبق لقيامة المسيح, وامتحان أولي لقدرة المسيح على الموت.


ثم تربط الكنيسة بين غلبة المسيح هذه على الموت ودخوله الاحتفالي إلى أورشليم الذي سنحييه غداً. تعلن أيضاً قيامة لعازر قيامة الموتى التي هي نتيجة لقيامة يسوع "لقد أقمته يا مانح الحياة مؤكداً بذلك قيامة العالم...". سبت لعازر هو بمعنى عيد لكل الأموات, إذ يعطينا المجال لنؤكد ونوضح إيماننا بالقيامة.


وينبهنا السيد بكلامه الموجه إلى مرتا إلى تعليم مهم جداً متعلق بالأموات. فقال لها يسوع: "أنا هو القيامة". إن إيمان مرتا كان خاطئاً في ناحيتين: كانت تتكلم عن قيامة تتم في المستقبل فقط, ولم تدرك هذه القيامة إلا بالنسبة إلى نوع من القانون العام. لكن يسوع يؤكد أن القيامة هي حدث حاضر منذ الآن لأنه هو القيامة والحياة. يعيش الراقدون بالمسيح وفيه.


وإذا أردنا الاتصال روحياً بأحد احبائنا الراقدين, فلا نسعين إلى أن نحييه في مخيلتنا, بل علينا أن نتصل مباشرة بيسوع, وهنالك ففي يسوع نجده. إن قيامة لعازر تكوّن أيضاً تصويراً رائعاً للعقيدة بشخص المسيح, إذ تبين كيف تتحد في شخص يسوع الطبيعتان الإلهية والإنسانية بدون اندماج. وهكذا نجد أن الإنسان في يسوع يتأثر ويبكي لموت صديقه, ولكنه من جهة أخرى نرى أن الله في يسوع يأمر الموت بسلطان.


أخيراً تحث قيامة لعازر الخاطئ على الرجاء بأنه حتى لو مات روحياً, سيحيا من جديد. هذه القيامة الروحية كثيراً ما تبدو لنا كقيامة لعازر مستحيلة, لكن كل شيء ممكن بالنسبة ليسوع: إعادة الخاطئ, القاسي القلب, كما إقامة الموتى:


"فقال يسوع: إرفعوا الحجر...." نريد ملاقاة يسوع وأن نبدأ هذا الأسبوع العظيم برفقته. إنه يدعونا وينتظرنا. دعت مرتا أختها سراً قائلةً: "المعلم حضر وهو يدعوك" . المعلم يدعوني. يريد ألا افارقه في أيام آلامه. يريد أن يعلن ذاته في تلك الأيام إليَّ –وقد أكون أنتنت- بطريقة جديدة وسامية. هاءنذا يا معلم!


في القرن الرابع كانت احتفالات الأسبوع العظيم في القدس تبدأ يوم السبت عشية أحد الشعانين، بخدمة طقسية تقام في الكنيسة المسمّاة لازاريوم في بيت عنيا. لا نعرف عن لعازر أكثر مما نجده في الإنجيل، أي أنه كان أخ مرثا ومريم من بيت عنيا، وكان صديقاً ليسوع الذي أقامه من الموت.


ولقد كثرت فيما بعد الخرافات المتعلقة بلعازر، منها أنه وُضع وأخواته من قبل اليهود في مركب بدون أشرعة ولا مقذاف ولا دفّة، لكنهم وصلوا بصورة عجائبية إلى جنوبي فرنسا حيث بشر لعازر كل المنطقة وأصبح أول أسقف على مدينة مرسيليا. ويمكن أن تكون هذه الخرافة قد انطلقت نتيجة كون أحد أساقفة مدينة إيكس الذي رسم في مرسيليا في القرن الخامس أمضى بعض الوقت في فلسطين وكان يحمل اسم لعازر.


لا يجوز إخراج الكلام عن سياقه والقصد منه. فالكاتب هنا يوضح أن السيد المسيح له المجد أظهر ناسوته ولاهوته في هذا الحدث، البكاء كإنسان وإقامة لعازر كإله. ولم يتصرف كشخصين بل أظهر حقيقة الطبيعتين في شخصه الواحد. والمسيح، له المجد، ليس إنسان تجلى فيه الله. بل هو الله المتجسد


افرحي يابيت عنيا …. نحوك وافى الإله من به الأموات تحيا

كيف لا وهو الحياه إن مارثا استقبلته …. ببكاء وعويل وشكت لما رأته

شدة الحزن الطويل صرخت بالحالة ربي … أنت عوناً للرفيق فا أعني إن قلبي

ذاب من فقد الشقيق قال كفي عن بكاكي …. ودعي هذا النحيب واعلمي أن آخاك

سوف يحيا عن قريب ثم نحو اللحد بادر …. ذلك الفادي الأمين حينما نادى لعازر

انهض ياذاك الدفين أيها الأختان هيا …. انظرا الأمر العجيب قام من في اللحد حيا

واشكرا الفادي الحبيب لك يارب البرايا …. لك نسجد بخشوع إننا موت الخطايا

نحيا يا يسوع بك.


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 12/04/2014

الأحد، 6 أبريل 2014

عيد البشارة بميلاد السيد المسيح

عيد البشارة وهو أول الأعياد، أول الأعياد من حيث ترتيب أحداث التجسد فلولا البشارة وحلول السيد المسيح في بطن العذراء ما كانت بقية الأعياد، لذلك الآباء يسمونه رأس الأعياد والبعض يسمونه نبع الأعياد أو أصل الأعياد.


الله أرسل رئيس الملائكة جبرائيل للسيدة العذراء ليخبرها بتجسد ابنه منها، وبعض الآباء يصلون بتعبير "ليخبرها" إلى مدى أكبر فيقولون "ليستأذنها"، هل ترى مثل هذا إتضاع من الله أن يستأذن من السيدة العذراء أن يحل فيها ويأخذ منها ناسوتاً وهى جبلة يديه، وهذا طبعاً شرف كبير للسيدة العذراء هى فرحت به، فهى بشارة مفرحة تتضمن خبراً سعيداً وأيضاً إستئذان بلطف شديد مع عطايا جزيلة. فهي أولاً بشارة، ثانياً خبر، ثالثاً استئذان.

ويؤكد الآباء أن السيد المسيح حل في بطن العذراء بعد أن قالت "هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك"، هذه نقطة تأمل أن ربنا أحترم حرية صنعة يديه.

نالت العذراء هذه النعمة لأنها متضعه ومنسحقه فرفعها الرب فوق السمائيين "قريب هو الرب من المنسحقى القلوب، يقاوم الله المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة" "نظر إلى إتضاع أمته". لا تقصد فضيلة الإتضاع لكنها تقصد الوضاعه أي أنها حقيرة؛ أي نظر إلى حقارة أمته هذه هى نظرتها لنفسها بينما نظرت ربنا لها كانت نظرة كلها تقدير ظهرت في تحية الملاك "السلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك". وهذه لعلاقتها الخاصة بالله ومعدنها الثمين وهى مُنعم عليها من جهة تجسد الإبن الكلمة لا شك أن هذا إنعام لكن قبل أن يخبرها بالإنعام أعلن أنها ممتلئة نعمة.



كيف تم التجسد؟
هنا لابد أن ننتبه لخطوات مهمة:
1- البشارة للقبول من جهة العذراء وللتجهيز وللإخبار،
2- حلول الروح القدس ليكون ناسوتاً أو طبيعة بشرية، لابد أن نعرف أن الطبائع تتحد أما الأشخاص فلا تتحد. بمعنى أن أقول ملاك، ما هو الملاك؟ هو شخص له طبيعة ملائكية، الإبن الكلمة كإله هو شخص له طبعه إلهية، مطلوب أنه يتحد بالطبيعة البشرية إذاً شخص الإبن الكلمة له طبيعتان إتحدوا فكونوا طبيعة واحدة. نسطور وقع في خطأ قال إن الذى داخل بطن العذراء هو إنسان أي يحمل طبيعة بشرية والأشخاص لا تتحد.



فى حالة الزواج لا يقولوا شخصاً واحداً لكن جسداً واحداً. لازالوا شخصين لكن اتحدوا في الجسد، مثل حواء عندما اتخذت من جسد آدم. فالروح القدس عندما يحل في السر يجعل هذه العروس مأخوذة من ضلع من هذا العريس من جسده، هى معه جسد واحد لكن ليس شخص واحد بحيث بعد الوفاه لا يكون هناك ارتباط زيجي. "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً".(تك 2)

بطن العذراء هى معمل الإتحاد بين اللاهوت والناسوت في شخص ربنا يسوع المسيح. الجنين الذي تكون في بطن العذراء هل نستطيع أن نصفه أم لا؟ تكون الجنين بعد أن "تشخصنت" (أى أتحدت بشخص ربنا يسوع المسيح) في إتحادها بالإبن الكلمة فصار في البطن الإبن الكلمة المتجسد. فى الولادة سُمى "يسوع" أي المخلص "أنا أنا هو الرب وليس غيرى مخلص" (أش 43)،فى العماد سُمى "المسيح" أي الممسوح من الروح القدس فأصبح أسمه يسوع المسيح إبن الله الحى.

إيمان العذراء بصورة فائقة للطبيعة وهى فتاه صغيرة صدقت ما لم يُصدقه زكريا الكاهن وهو شيخ ومتزوج.



لماذا نحتفل بهذا العيد؟
+للتعبير عن فرحة الكنيسة بهذه البشارة، أي أننا نشارك العذراء فرحتها بهذه البشارة المفرحة التي أتت إليها من


السماء من خلال رئيس الملائكة جبرائيل. ونشاركها لأنها بشارة للخلاص للبشرية كلها. 

+ لأن الرب شاركنا كل مراحل حياتنا قبل الولادة وبعدها حتى النضوج، "باركت طبيعتنا فيك"


لأن هذا العيد باكورة الأعياد التي هى مناسبات خلاصنا فلولا التجسد ما كانت الآلام والموت والقيامة والصعود...+ أول عيد ترتبط فيه السماء بالأرض في مناسبة تخص البشر على الأرض بعد مقاطعة طويلة لم تصل فيها السماء بالأرض.


بعض ملاحظات طقسية على العيد:
يوم عيد البشارة عادة يأتى في الصوم الكبير، ونظرا لأن عيد القيامة متغير لذلك نراعى ما يلي:


1- يحتفل بكل يوم 25 في شهر آذار كتذكار للبشارة والميلاد. (مدة الحمل 9 شهور)
2- لا يُفطر يوم عيد البشارة لأنه لا يكسر الصوم الكبير لكن يُعيد فيه باللحن الفرحي وعدم الصوم  

     الانقطاعي.
3- إذا جاء عيد البشارة في إسبوع الآلام لا يُحتفل به لأن البداية قد كمُلت.
4- العيد له قراءاته وألحانه فى التسبحة والقداس في مواضعها.




البعد الرعوي:
1- في العيد يُعلن إعلان حب الله للبشر إذ أخذ صورتهم وطبيعتهم، (لماذا حل الروح القدس ولم تتزوج السيدة العذراء لكي لا يولد السيد المسيح بالخطية الجدية) إعلان حب الله للبشر بعد رعوي مهم جداً وأدى هذا لشيئين مهمين:

+ إعادة ملكية الله على الإنسان وطرد الشيطان، أدى هذا إلى غفران الخطية الجدية والفعلية من آدم إلى نهاية الدهور بالفداء، وإعلان حب الله للبشر.

2- ارتباط الكنيسة بالعذراء والدة الإله أم جميع المؤمنين والشفيعة في الجنس البشرى. القديس جيروم يقول (إن العذراء صنعت من صوف ابنها الحمل ثياباً لتغطى عُرى آدم وبنيه).


البعد الروحي:
1- قداسة الجسد، إذا كان الجسد شر في ذاته لم يكن المسيح أخذ جسد.
2- إمكانية تحقيق القداسة ونحن في الجسد.
3- محبة الله للخاطئ وقبوله له بالتوبة، والتوبة هي أول خطوة نحو القداسة.
4- السماء هي مصدر الفرح فمنها أتت البشارة.
     ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين.



رتبت الكنيسة التعيد لعيد البشارة في اليوم الخامس والعشرين من شهر آذار، بها بشر الملاك مريم العذراء بامكانية تحقيق الوعود بخلاص البشر إن أتى منها المخلص وبجوابها الإيجابي كانت مسيرة الخلاص قد بدأت.

الخلاص أتى لكل العالم، ولكن تحققه يحتاج إلى قبول من الشخص ذاته إيمانياً أن المسيح هو المخلص، هذا القبول يتجسد بأفعال تدل على تبعيته للمخلص في الطريق الذي أتى ورسمه لنا كي نعود إلى الفردوس مرة اخرى، وهذا كمال الحرية الذي أعطي للإنسان نعمة فوق نعمة.

علينا في عالمنا المعاصر، وبعد أن نقبل بشارة الخلاص في حياتنا، أن نأخذ دور الملاك باتجاه هذا العالم ولنخبرهم بأننا جئنا لنكمل البشارة التي كانت أولا بولادة المخلص والآن تنتهي بقبولنا لهذه البشارة فيولد فينا المسيح، وكلما بشرنا إنساناً ما ويولد فيه المسيح نكون من الأشخاص الذين يبنون ملكوت السموات.

بشارة الخلاص شخصية وعالمية، فلنبتدأ بأنفسنا ولننتقل نحو العالم لأن بهذا تكون الكنيسة متماسكة بنعمة الروح القدس. آمين

مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 07/04/2014

السبت، 5 أبريل 2014

الأحد الخامس من الصوم - القديسة مريم المصرية

مريم المصرية
ولدت القديسة مريم في الأرياف المصرية في أوائل القرن الرابع الميلادي، و عندما كانت ابنة إثنتي عشرة سنة ذهبت خفية عن والديها إلي مدينة الإسكندرية التي كانت في ذلك الوقت منارة للعلوم و المعارف يؤمها رجال الشرق و الغرب من التجار و الصناع و محط رجال الألوف من الطلبة من جميع العناصر، غارقة في بحر من الغنى و الترف فبهرها ما رأت فيها من جمال ومال وأسرع إليها الشبان يتملقونها فاستسلمت لهم وعاشت فيها حياة الدعارة والطيش والخلاعة والفسق والفجور سبعة عشر عاما سببت فيها هلاك الكثيرين من الرجال.
في أورشليم:
و كان عيد رفع الصليب الكريم قد قرب وهو عيد تحتفل به المدينة المقدسة إحتفالاً عظيماً وكان المسيحيون يأتون من جميع أنحاء البلاد ليشاهدوا الإحتفالات ويتبركوا من العود الكريم. خرجت جماعة من الإسكندرية متوجهة للقدس لحضور العيد فذهبت مريم معهم للتفرج وقضاء أيام سرور وإنشراح. ولما وصلت القافلة إلي أورشليم لم تذهب مريم لزيارة الكنائس والأماكن المقدسة بل ذهبت كعادتها وراء المعاصي، وجاء يوم العيد فهرع الألوف إلي الكنيسة لحضور العيد والتبرك من الصليب الكريم ودخلت مريم بين الجماهير وسارت معهم ولكنها لما أتت باب الكنيسة شعرت بقوة خفية تدفعها إلي الوراء وتمنعها من الدخول فحاولت مراراً ولم تقدر، ونظرت حولها فرأت أن الجميع يدخلون ولا مانع يمنعهم بينما كانت الوحيدة التي لا تستطيع الدخول.


معرفتها لخطيئتها وتوبتها:
بعد عدة محاولات من أجل الدخول إلى الكنيسة، لم تجد مريم طريقاً يوصلها إلى الداخل، فوقفت في إحدى زوايا الرواق. فقط، إذ ذاك، وبصعوبة فائقة، فطنت إلى السبب الذي حال دون السماح لها برؤية الصليب المحيي. فإنَّ كلمة الخلاص لمست، برفق، عينيّ قلبها وكشفت لها أن حياتها الدنسة وفهمت أن معاصيها هي التي وقفت في وجهها وحالت دون دخولها إلي بيت الله، أخذت تبكي وتنتحب وتتنهَّد من أعماق قلبها.
وإذ رفعت رأسها قليلاً، وقع نظرها على أيقونة والدة الإله الكليّة القداسة، فتحوّلت إليها قائلةً: "أيتها السيدة، والدة الإله، يا من ولدت بالجسد الإله الكلمة، أنا أعرف، وأعرف جيداً، أنه ليس يشرِّفك أن يرفع إنسان فاسد، عينيه إلى أيقونتك، يا دائمة البتولية، يا من حَفِظَتْ جسدها ونفسها نقيّين. إني لَعَنْ حق أبعث على القرف بإزاء نقاوتك العذراوية. لكنّني سمعت أن الله الذي ولد منك. إنّما تجسد ليدعوا الخطأة إلى التوبة. فساعديني، إذاً، لأنه ليس لي معين سواك. مرّي أن ينفتح مدخل الكنيسة أمامي. اسمحي لي أن أعاين العود الكريم الذي عليه تألم بالجسد من ولد منك وبذل دمه المقدّس لافتداء الخطأة وإياي أنا غير المستحقة. اشهدي عليّ أني لن أُنجِّس جسدي، بعد اليوم، بدنس الدعارة، بل حالما اسجد لعود الصليب سأنبذ العالم وتجارب العالم وأتوجّه إلى حيث تقودينني".

هكذا تكلَّمت مريم مخاطبةً والدة الإله، واتجهت من جديد للدخول إلى الكنيسة، فتقدّمت إلى الأبواب التي لم تتمكن من بلوغها قبل ذلك. دخلت دون صعوبة. عاينت العود المحيي. ثمَّ ألقت بنفسها على الأرض وسجدت وقبلت صليب الرّب ساكبة أمامه دموعها الغزيرة وندامتها الصادقة. ثمَّ خرجت من الكنيسة واتجهت نحو أيقونة والدة الإله وخاطبتها قائلة: "أيتها السيدة الودودة، لقد أظهرت لي محبّتك العظيمة. فالمجد لله الذي يقتبل بك توبة الخطأة. ماذا بإمكاني أن أتفوَّه بأكثر من هذا، أنا الغارقة في الخطيئة؟ لقد حان الوقت لي، يا سيّدتي، أن أُتمّم نذري كما شهدت. والآن قوديني بيديك على درب التوبة". فسمعت صوتاً يقول لها:"إذهبي إلي الأردن وأعبريه وهناك تجدين الراحة والطمأنينة".
برية الأردن:
بعد ذلك تركت رواق الكنيسة في أورشليم وذهبت إلى كنيسة السابق يوحنا المعمدان التي على الأردن. هناك، تناولت القربان المقدَّس، ومن ثمَّ انطلقت إلى أعماق البرية لتقضي بقية حياتها وعاشت "47" سنة حياة قاسية جداً في التوبة والصيام والتأمل ومقارعة التجارب الشيطانية.


جهادها ونسكها:
طوال حياة قديسة الله في البرية، كانت تحارب الرغبات والأهواء، فما صادفته وعاشته خلال حياتها قبل التوبة، كان يأتيها دائماً، فشهوة طعام اللحم والسمك في مصدر غناء الأغاني القبيحة التي كانت تقولها، الفجور وسهرات الشبّان. كلّ هذه لم تكد تفارقها لولا جهادها واستعانتها بالعذراء والدة الإله التي عاهدتها على عدم الرجوع إلى الفجور والسير في طريق توبةٍ صالحةٍ.


أما بالنسبة لطعامها، فكان بعض البقول الذي قلَّما ما تجده في البرية. وشرابها القليل من الماء. ولباسها كان العراء. فلم يكن لديها ما تلبسه. فقد كانت الشمس تحرقها في النهار، والبرد يهلكها في الليل إلى أن صارت بشرتها سوداء داكنة من كثرة الحرّ والبرد.


نعمة الله معها:
التوبة الصادقة، والجهاد الدؤوب، لا بدَّ أن يتكلّلا بالمجد الإلهي. هذا ما نالته قديسة الله بعد سنين جهادها الطوال. فقد ظلّلتها نعمة الله وسكن الروح القدس في داخلها. فعُلِّمت الكتاب المقدَّس، لأن كلمة الله الحيّة الفاعلة تعلّم الإنسان العلم من ذاتها.
اللقاء بالأب الراهب زوسيما:
وفي أواخر أيام حياتها شاهدها كاهن ناسك إسمه(زوسيماس) كان قد توغل في الصحراء للصلاة والعبادة، فقد كان في صدره رجاء أن يلتقي من هو كفيل، من النساك المجاهدين، بإشباع رغبته وإرواء توقه. فظن أولاً انه رأى شبحاً ولكنه رآه يتحرك فناداه فهرب، فلحق به، وأخذ يعدو وراءه وهو يصيح ويقول:"يا رجل الله قف قليلاً لأخذ بركتك" ظناً منه أنه أحد النساك، ومازال يركض وراءه حتى أدركه وإذا بذاك الشبح يصيح بالراهب ويقول :


" أيها الأب زوسيماس إني أمراة خاطئة وأنا عريانه فاذا كان لابد من الكلام معي فارم الي بالجبة التي عليك لاستتر بها"، فرمى بها اليها واقترب منها وإذا به أمام إمراة قد تجعد وجهها وأحرقت الشمس جسمها وابيض شعرها واسترسل على صدرها وكتفيها فقالت له:

" أيها الأب زوسيماس ماذا تريد من أمراة بائسة مثلي"؟ ثم قصت عليه سيرة حياتها من أولها إلي تلك الساعة وما تحملت بها من تجارب شيطانية شديدة، وعن معونة والدة الإله لها في أثناء التجارب فطلبت منه أن لا يبوح بسرها ما دامت على قيد الحياة وأن يأتيها بالأسرار الطاهرة يوم خميس الأسرار في السنة المقبلة لتتناول جسد الرب ودمه وفي السنة التالية، وفي يوم الخميس العظيم، أتاها بها وناولها ثم طلبت إليه أن يأتي في السنة التالية فيراها في المكان الذي لقيها فيه للمرة الأولى في الصحراء فوعدها بذلك. وكان كل هذا يحدث دون أن يخبر زوسيماس أحداً.

رقادها:
وإنقضت السنة فسار الأب زوسيماس إلي البرية حتى إذ بلغ الموضع الذي أتى إليه أولاً لم يرى ما يشير إلى وجود أحد فرفع عينيه إلى السماء، وصلَّى: "اكشف لي يارب، كنزك الصافي الذي واريته في البريّة، أظهر لي الملاك بالجسم الذي ليس العالم له مستحقاً". وإذ التفت إلى الضفة الأخرى، نحو الشمس الشارقة، رأى القديسة ممددة باحتشام ووقار ينبعث النور من محياها وأسد رابض أمامها يحرسها. كانت يداها مصلبتين إلى صدرها على حسب العادة المألوفة في ذلك الزمان، ووجهها نحو الشرق. وإذ هرول باتجاهها بكى عند قدميها وقبَّلهما من غير أن يجرأ على مس أي شيءٍ آخر منها.


بكى طويلاً ثمَّ تلا المزامير المعيَّنة وقال عليها صلوات الجنَّاز ثمَّ فكر في نفسه: "أعليَّ أن أدفن جسد القديسة أم تراني أخالف، بذلك رغبتها؟". وإذ به يرى كلمات خطَّت على الأرض بجانب رأسها: "أيها الأب زوسيماس، وارِ في التراب جسد مريم الوضيعة. أعد إلى الرماد ما هو رماد وصلِّ إلى الرّب من أجل التي ارتحلت في شهر فرموتين المصري. الموافق نيسان لدى الرومان، في اليوم الأول، ليلة آلام ربِّنا عينها، بعدما أخذت الأسرار الإلهية". فقام لساعته وإذا بالأسد يتقدمه وينبش الأرض بمخالبه حتى حفر حفرة كبيرة فحمل الأب زوسيماس ذلك الجسد الطاهر وواراه التراب.

وهكذا أعلم الأب زوسيماس رئيسه بما حصل وكتب سيرة حياتها. كان ذلك حوالي سنة"437م".
القديسة مريم والأحد الخامس من الصوم في الكنيسة:
أقامت منها الكنيسة "نموذجاً للتوبة". إنها رمز للاهتداء والتوبة والتقشف. إنها تعبّر، في الأحد الأخير من الصوم، عن آخر وألحّ دعوة توجهها الكنيسة إلينا قبل أيام الآلام والقيامة المقدسة.


إن قصة مريم هذه تعلمنا أن التوبة الحقيقية تخلص الإنسان وتمحو خطاياه كلها مهما كانت، فهي تطهير للنفس، وبمثابة معمودية ثانية لأن الذي دنس معموديته بالخطايا يعيدها إلي بهائها الأول عن طريق التوبة. بها خلص الكثيرون من الناس وأصبحوا قديسين على مثال مريم المصرية التي كانت إمراة زانية ولكن بتوبتها وجهادها النسكي كرمها الله وقدسها وأهلها لملكوت السماوات.


تحتفل كنيستنا بتذكارها في اليوم الأول من شهر نيسان شرقي(14 غربي) والأحد الخامس من الصوم الكبير.


طروبارية القديسة مريم المصرية باللحن الخامس
لمّا استنرتِ مِنَ الله بنعمةِ الصليب، ظهرتِ مصباحاً للتوبةِ مُشِعاً بالأنوارِ، فتركتِ ظلمةَ الأهواءِ يا كليَّةَ الوقار. لذا ظهرتِ في البرَّيةِ لزوسيما الكاهن كملاكٍ من الله. يا مريمُ الأمُّ البارَة، فمَعَهُ تشفَّعي من أجل جميعِنا.


قنداق باللحن الثاني
بمشاق جهاداتكِ أيتها المتمسكة بالله، قدَّستِ البريّة الموعرة، فلذلك نكرّم بالترنيمات تذكاركِ، أيتها البارة مريم، يا بهجة الأبرار.


مع محبتي للجميع بالمسيح ربنا آمين
كل عام و الجميع بألف خير
سامر يوسف الياس مصلح
بيت ساحور - 06/04/2014